فصل: (سورة النساء: الآيات 92- 93):

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



وقال البرزلي عن ابن عرفة: إن كان أمير تونس قويًّا على النصارى جاز السفر، وإلاّ لم يجز، لأنّهم يهينون المسلمين.
الحالة الرابعة: أن يتغلّب الكفّار على بلدٍ أهلُه مسلمون ولا يفتنوهم في دينهم ولا في عبادتهم ولا في أموالهم، ولكنّهم يكون لهم حكم القوة عليهم فقط، وتجري الأحكام بينهم على مقتضى شريعة الإسلام كما وقع في صقلية حين استولى عليها رجير النرمندي.
وكما وقع في بلاد غرناطة حين استولى عليها طاغية الجلالقة على شروط منها احترام دينهم، فإنّ أهلها أقاموا بها مدّة وأقام منهم علماؤهم وكانوا يلون القضاء والفتوى والعدالة والأمانة ونحو ذلك، وهاجر فريق منهم فلم يَعِب المهاجر على القاطن، ولا القاطنُ على المهاجر.
الحالة الخامسة: أن يكون لغير المسلمين نفوذ وسلطان على بعض بلاد الإسلام، مع بقاء ملوك الإسلام فيها، واستمرار تصرّفهم في قومهم، وولاية حُكَّامهم منهم، واحترام أديانهم وسائر شعائرهم، ولكنّ تصرف الأمراء تحت نظر غير المسلمين وبموافقتهم، وهو ما يسمّى بالحماية والاحتلال والوصاية والانتداب، كما وقع في مصر مدّة احتلال جيش الفرنسيس بها، ثم مدّة احتلال الأنقليز، وكما وقع بتونس والمغرب الأقصى من حماية فرانسا، وكما وقع في سوريا والعراق أيّام الانتدَاب وهذه لا شبهة في عدم وجوب الهجرة منها.
الحالة السادسة: البلد الذي تكثر فيه المناكر والبدع، وتجري فيه أحكام كثيرة على خلاف صريح الإسلام بحيث يخلِط عملًا صالحًا وآخرَ سَيّئًا ولا يجبر المسلم فيها على ارتكابه خلاف الشرع، ولكنه لا يستطيع تغييرها إلاّ بالقول، أو لا يستطيع ذلك أصلًا وهذه رُوي عن مالك وجوب الخروج منها، رواه ابن القاسم، غير أنّ ذلك قد حدث في القيروان أيّام بني عبيد فلم يُحفظ أنّ أحدًا من فقهائها الصالحين دعا الناس إلى الهجرة.
وحسبك بإقامة الشيخ أبي محمد بن أبي زيد وأمثاله.
وحدث في مصر مدّة الفاطميين أيضًا فلم يغادرها أحد من علمائها الصالحين.
ودون هذه الأحوال الستّة أحوال كثيرة هي أولى بجواز الإقامة، وأنّها مراتب، وإنّ لبقاء المسلمين في أوطانهم إذا لم يفتنوا في دينهم مصلحة كبرى للجامعة الإسلامية. اهـ.

.من فوائد الزمخشري في الآيات:

قال رحمه الله:

.[سورة النساء: الآية رقم: 88]:

{فَما لَكُمْ فِي الْمُنافِقِينَ فِئَتَيْنِ وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ بِما كَسَبُوا أَتُرِيدُونَ}
{فِئَتَيْنِ} نصب على الحال، كقولك: مالك قائما؟ روى أنّ قوما من المنافقين استأذنوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم في الخروج إلى البدو معتلين باجتواء المدينة، فلما خرجوا لم يزالوا راحلين مرحلة مرحلة حتى لحقوا بالمشركين، فاختلف المسلمون فيهم، فقال بعضهم: هم كفار. وقال بعضهم: هم مسلمون. وقيل: كانوا قوما هاجروا من مكة، ثم بدا لهم فرجعوا وكتبوا إلى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم: إنا على دينك وما أخرجنا إلا اجتواء المدينة والاشتياق إلى بلدنا.
وقيل: هم قوم خرجوا مع رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يوم أحد ثم رجعوا. وقيل: هم العرنيون الذين أغاروا على السرح وقتلوا بسارًا. وقيل هم قوم أظهروا الإسلام وقعدوا عن الهجرة. ومعناه:
ما لكم اختلفتم في شأن قوم نافقوا نفاقا ظاهرًا وتفرقتم فيه فرقتين وما لكم لم تبتوا القول بكفرهم {وَاللَّهُ أَرْكَسَهُمْ} أي ردهم في حكم المشركين كما كانوا {بِما كَسَبُوا} من ارتدادهم ولحوقهم بالمشركين واحتيالهم على رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم. أو أركسهم في الكفر بأن خذلهم حتى أركسوا فيه، لما علم من مرض قلوبهم {أَتُرِيدُونَ أَنْ تَهْدُوا} أن تجعلوا من جملة المهتدين {مَنْ أَضَلَّ اللَّهُ} من جعله من جملة الضلال، وحكم عليه بذلك أو خذله حتى ضلّ. وقرئ: ركسهم. وركسوا فيها.

.[سورة النساء: الآيات 89- 91]:

{وَدُّوا لَوْ تَكْفُرُونَ كَما كَفَرُوا فَتَكُونُونَ سَواءً فَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ أَوْلِياءَ حَتَّى يُهاجِرُوا فِي سَبِيلِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَلا تَتَّخِذُوا مِنْهُمْ وَلِيًّا وَلا نَصِيرًا (89) إِلاَّ الَّذِينَ يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ أَوْ جاؤُكُمْ حَصِرَتْ صُدُورُهُمْ أَنْ يُقاتِلُوكُمْ أَوْ يُقاتِلُوا قَوْمَهُمْ وَلَوْ شاءَ اللَّهُ لَسَلَّطَهُمْ عَلَيْكُمْ فَلَقاتَلُوكُمْ فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا (90) سَتَجِدُونَ آخَرِينَ يُرِيدُونَ أَنْ يَأْمَنُوكُمْ وَيَأْمَنُوا قَوْمَهُمْ كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ أُرْكِسُوا فِيها فَإِنْ لَمْ يَعْتَزِلُوكُمْ وَيُلْقُوا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ وَيَكُفُّوا أَيْدِيَهُمْ فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ وَأُولئِكُمْ جَعَلْنا لَكُمْ عَلَيْهِمْ سُلْطانًا مُبِينًا (91)}
{فَتَكُونُونَ} عطف على: {تَكْفُرُونَ} ولو نصب على جواب التمني لجاز. والمعنى: ودّوا كفركم فكونكم معهم شرعًا واحدًا فيما هم عليه من الضلال واتباع دين الآباء. فلا تتولوهم وإن آمنوا حتى يظاهروا إيمانهم بهجرة صحيحة هي للَّه ورسوله- لا لغرض من أغراض الدنيا- مستقيمة ليس بعدها بداء ولا تعرّب. {فَإِنْ تَوَلَّوْا} عن الإيمان المظاهر بالهجرة الصحيحة المستقيمة، فحكمهم حكم سائر المشركين يقتلون حيث وجدوا في الحلّ والحرم، وجانبوهم مجانبة كلية، وإن بذلوا لكم الولاية والنصرة فلا تقبلوا منهم {إِلَّا الَّذِينَ يَصِلُونَ} استثناء من قوله: {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ} ومعنى {يَصِلُونَ إِلى قَوْمٍ} ينتهون إليهم ويتصلون بهم.
وعن أبى عبيدة: هو من الانتساب. وصلت إلى فلان واتصلت به إذا انتميت إليه. وقيل: إن الانتساب لا أثر له في منع القتال، فقد قاتل رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم بمن معه من هو من أنسابهم، والقوم هم الأسلميون، كان بينهم وبين رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم عهد، وذلك أنه وادع وقت خروجه إلى مكة هلال بن عويمر الأسلمى على أن لا يعينه ولا يعين عليه، وعلى أنّ من وصل إلى هلال ولجأ إليه فله من الجوار مثل الذي لهلال. وقيل: القوم بنو بكر بن زيد مناة كانوا في الصلح {أَوْ جاؤُكُمْ} لا يخلو من أن يكون معطوفا على صفة قوم، كأنه قيل: إلا الذين يصلون إلى قوم معاهدين، أو قوم ممسكين عن القتال لا لكم ولا عليكم، أو على صلة الذين، كأنه قيل: إلا الذين يتصلون بالمعاهدين، أو الذين لا يقاتلونكم والوجه العطف على الصلة لقوله: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ فَلَمْ يُقاتِلُوكُمْ وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} بعد قوله: {فَخُذُوهُمْ وَاقْتُلُوهُمْ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ} فقرّر أن كفهم عن القتال أحد سببى استحقاقهم لنفى التعرض عنهم وترك الإيقاع بهم. فإن قلت: كل واحد من الاتصالين له تأثير في صحة الاستثناء، واستحقاق إزالة التعرّض الاتصال بالمعاهدين والاتصال بالمكافين، لأنّ الاتصال بهؤلاء أو هؤلاء دخول في حكمهم، فهلا جوزت أن يكون العطف على صفة قوم، ويكون قوله: {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ} تقريرًا لحكم اتصالهم بالمكافين واختلاطهم بهم وجريهم على سننهم؟ قلت: هو جائز، ولكن الأول أظهر وأجرى على أسلوب الكلام. وفي قراءة أبىّ: بينكم وبينهم ميثاق جاؤكم حصرت صدورهم، بغير أو. ووجهه أن يكون {جاؤُكُمْ} بيانًا ليصلون، أو بدلا أو استئنافا، أو صفة بعد صفة لقوم. حصرت صدورهم في موضع الحال بإضمار قد. والدليل عليه قراءة من قرأ: حصرة صدورهم. وحصرات صدورهم. وحاصرات صدورهم.
وجعله المبرد صفة لموصوف محذوف على: أو جاؤكم قومًا حصرت صدورهم. وقيل: هو بيان لجاؤكم، وهم بنو مدلج جاءوا رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم غير مقاتلين. والحصر الضيق والانقباض {أَنْ يُقاتِلُوكُمْ} عن أن يقاتلوكم. أو كراهة أن يقاتلوكم. فإن قلت: كيف يجوز أن يسلط اللَّه الكفرة على المؤمنين؟ قلت: ما كانت مكافتهم إلا لقذف اللَّه الرعب في قلوبهم، ولو شاء لمصلحة يراها من ابتلاء ونحوه لم يقذفه، فكانوا متسلطين مقاتلين غير مكافين، فذلك معنى التسليط. وقرئ: فلقتلوكم، بالتخفيف والتشديد {فَإِنِ اعْتَزَلُوكُمْ} فإن لم يتعرضوا لكم {وَأَلْقَوْا إِلَيْكُمُ السَّلَمَ} أي الانقياد والاستسلام. وقرئ بسكون اللام مع فتح السين {فَما جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ سَبِيلًا} فما أذن لكم في أخذهم وقتلهم سَتَجِدُونَ آخَرِينَ هم قوم من بنى أسد وغطفان، كانوا إذا أتوا المدينة أسلموا وعاهدوا ليأمنوا المسلمين، فإذا رجعوا إلى قومهم كفروا ونكثوا عهودهم {كُلَّما رُدُّوا إِلَى الْفِتْنَةِ} كلما دعاهم قومهم إلى قتال المسلمين {أُرْكِسُوا فِيها} قلبوا فيها أقبح قلب وأشنعه، وكانوا شرًا فيها من كل عدوّ {حَيْثُ ثَقِفْتُمُوهُمْ} حيث تمكنتم منهم {سُلْطانًا مُبِينًا} حجة واضحة لظهور عداوتهم وانكشاف حالهم في الكفر والغدر، وإضرارهم بأهل الإسلام أو تسلطا ظاهرًا حيث أذنا لكم في قتلهم.

.[سورة النساء: الآيات 92- 93]:

{وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا إِلاَّ خَطَأً وَمَنْ قَتَلَ مُؤْمِنًا خَطَأً فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ إِلاَّ أَنْ يَصَّدَّقُوا فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فَدِيَةٌ مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ وَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ مُؤْمِنَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ تَوْبَةً مِنَ اللَّهِ وَكانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا (92) وَمَنْ يَقْتُلْ مُؤْمِنًا مُتَعَمِّدًا فَجَزاؤُهُ جَهَنَّمُ خالِدًا فِيها وَغَضِبَ اللَّهُ عَلَيْهِ وَلَعَنَهُ وَأَعَدَّ لَهُ عَذابًا عَظِيمًا (93)}
{وَما كانَ لِمُؤْمِنٍ} وما صح له ولا استقام ولا لاق بحاله، كقوله: {وَما كانَ لِنَبِيٍّ أَنْ يَغُلَّ}، {وَما يَكُونُ لَنا أَنْ نَعُودَ فِيها}. {أَنْ يَقْتُلَ مُؤْمِنًا} ابتداء غير قصاص {إِلَّا خَطَأً} إلا على وجه الخطإ. فإن قلت: بم انتصب خطأ؟ قلت: بأنه مفعول له، أي ما ينبغي له أن يقتله لعلة من العلل إلا للخطإ وحده. ويجوز أن يكون حالا بمعنى لا يقتله في حال من الأحوال إلا في حال الخطإ، وأن يكون صفة للمصدر إلا قتلا خطأ. والمعنى أن من شأن المؤمن أن ينتفي عنه وجود قتل المؤمن ابتداء البتة، إلا إذا وجد منه خطأ من غير قصد، بأن يرمى كافرًا فيصيب مسلما، أو يرمى شخصا على أنه كافر فإذا هو مسلم. وقرئ: خطاء- بالمد- وخطا، بوزن عمى- بتخفيف الهمزة- وروى أنّ عياش بن أبى ربيعة- وكان أخا أبى جهل لأمّه- أسلم وهاجر خوفا من قومه إلى المدينة، وذلك قبل هجرة رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم، فأقسمت أمه لا تأكل ولا تشرب ولا يؤويها سقف حتى يرجع. فخرج أبو جهل ومعه الحرث بن زيد بن أبى أنيسة فأتياه وهو في أطم فقتل منه أبو جهل في الذروة والغارب، وقال: أليس محمد يحثك على صلة الرحم، انصرف وبرّ أمك وأنت على دينك، حتى نزل وذهب معهما، فلما فسحا عن المدينة كتفاه، وجلده كل واحد مائة جلدة، فقال للحارث: هذا أخى، فمن أنت يا حارث؟ للَّه علىّ إن وجدتك خاليا أن أقتلك، وقدما به على أمه، فحلفت لا يحل كتافه أو يرتد، ففعل ثم هاجر بعد ذلك وأسلم، وأسلم الحارث وهاجر، فلقيه عياش بظهر قباء- ولم يشعر بإسلامه- فأنحى عليه فقتله، ثم أخبر بإسلامه فأتى رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم فقال: قتلته ولم أشعر بإسلامه، فنزلت {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} فعليه تحرير رقبة. والتحرير: الإعتاق. والحر والعتيق: الكريم، لأن الكرم في الأحرار كما أن اللؤم في العبيد. ومنه: عتاق الخيل، وعتاق الطير لكرامها. وحرّ الوجه: أكرم موضع منه. وقولهم للئيم عبد وفلان عبد الفعل: أي لئيم الفعل. والرقبة: عبارة عن النسمة، كما عبر عنها بالرأس في قولهم: فلان يملك كذا رأسًا من الرقيق. والمراد برقبة مؤمنة: كل رقبة كانت على حكم الإسلام عند عامة العلماء. وعن الحسن: لا تجزئ إلا رقبة قد صلت وصامت، ولا تجزئ الصغيرة. وقاس عليها الشافعي كفارة الظهار، فاشترط الإيمان.
وقيل: لما أخرج نفسا مؤمنة عن جملة الأحياء لزمه أن يدخل نفسًا مثلها في جملة الأحرار، لأنّ إطلاقها من قيد الرق كإحيائها من قبل أن الرقيق ممنوع من تصرف الأحرار {مُسَلَّمَةٌ إِلى أَهْلِهِ} مؤداة إلى ورثته يقتسمونها كما يقتسمون الميراث، لا فرق بينها وبين سائر التركة في كل شيء، يقضى منها الدين، وتنفذ الوصية وإن لم يبق وارثا فهي لبيت المال، لأن المسلمين يقومون مقام الورثة كما قال رسول اللَّه صلى اللَّه تعالى عليه وسلم: «أنا وارث من لا وارث له» وعن عمر رضى اللَّه عنه أنه قضى بدية المقتول، فجاءت امرأته تطلب ميراثها من عقله فقال: لا أعلم لك شيئًا، إنما الدية للعصبة الذين يعقلون عنه. فقام الضحاك بن سفيان الكلابي فقال: كتب إلىّ رسول اللَّه صلى اللَّه عليه وسلم يأمرنى أن أورث امرأة أشيم الضبابي من عقل زوجها أشيم. فورّثها عمر، وعن ابن مسعود: يرث كل وارث من الدية غير القاتل.
وعن شريك: لا يقضى من الدية دين، ولا تنفذ وصية.